إدارة الشئون الفنية
خطورة الإدمان على الفرد والمجتمع

خطورة الإدمان على الفرد والمجتمع

30 يونيو 2023

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 12 من ذي الحجة 1444هـ الموافق 30/ 6 / 2023م

خُطُورَةُ الْإِدْمَانِ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ‌حَقَّ ‌تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا ‌رِجَالًا ‌كَثِيرًا ‌وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا ‌قَوْلًا ‌سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71] .

أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلَامُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ:

  إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَسَخَّرَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لِإِقَامَةِ دِينِهِ وَتَحْقِيقِ عُبُودِيَّتِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿‌وَمَا ‌خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات: 56-58]، وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ ‌مُخْلِصِينَ ‌لَهُ ‌الدِّينَ ‌حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿‌وَسَخَّرَ ‌لَكُمْ ‌مَا ‌فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13].

وَكَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ، وَسَعَى فِي الْأَرْضِ لِإِصْلَاحِهَا وَدَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى الْخَيْرِ: الْأَجْرَ الْعَظِيمَ، وَوَعَدَهُ بِالثَّوَابِ الْكَبِيرِ، وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌أَوْ ‌أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].

إِلَّا أَنَّ بَعْضَ الْبَشَرِ قَدْ سَلَكَ طَرِيقَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، فَسَعَى فِي خَرَابِهَا وَدَمَارِهَا، وَاتَّخَذَ مَا سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ لِيُهْلِكَ نَفْسَهُ، وَيُلْحِقَ الْأَذَى بِالْآخَرِينَ، فَاتَّخَذَ مِنَ الْأَنْعَامِ وَالشَّجَرِ وَالزُّرُوعِ مَا يَكُونُ سَبَباً فِي ذَهَابِ نِعْمَةِ الْعَقْلِ وَالصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ، وَمِنْ أَعْظَمِ ذَلِكَ: كُفْرُهُ بِنِعْمَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَصَدُّهُ عَنْ سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بِالْمُخَدِّرَاتِ وَالْمُسْكِرَاتِ، وَكُلِّ مَا يَضُرُّ صِحَّتَهُ وَصِحَّةَ الْآخَرِينَ، وَالِاتِّجَارِ بِذَلِكَ، أَلَا إِنَّهَا تِجَارَةٌ خَاسِرَهٌ، وَبِضَاعَةٌ كَاسِدَةٌ، وَعَمَلٌ مَمْحُوقٌ.

عِبَادَ اللهِ:

 إنَّ فَضْلَ اللهِ عَلَيْنَا عَظِيمٌ، فَقَدْ خَلَقَنَا فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَوَهَبَنَا الْعَقْلَ السَّلِيمَ، وَمَيَّزَنَا عَنْ سَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ، بِالْعَقْلِ والْفَهْمِ وَاللِّسَانِ، بَلْ جَعَلَ الْعَقْلَ مِنَ الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ، الَّتِي تَقِي مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا التَّلَفَ وَالنَّقْصَ؛ فَبِالْعَقْلِ يُفَكِّرُ الْإِنْسَانُ ويُبْدِعُ، ويُنْتِجُ وَيَخْتَرِعُ، وَالْعَقْلُ يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ، وَالتَّخَلِّي عَنِ الرَّذَائِلِ، وقَدْ سَمَّى اللهُ الْعَقْلَ حِجْراً وَنُهًى وَلُبًّا، وَهِيَ أَسْمَاءٌ تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ عُظْمَى؛ لِأَنَّهُ يَعقِلُ وَيَحْجُرُ الْإِنْسَانَ عَمَّا يَخْدِشُ الْـمُرُوءَةَ ويُضْعِفُ الْإِيمَانَ؛ لِذَا ذَمَّ اللهُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، وَجَعَلَهُمْ فِي مَرْتَبَةٍ دُونَ الْبَهَائِمِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿‌أَمْ ‌تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: 44] .

   أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ الْكِرَامُ:

 إنَّ مِنَ الْجَرَائِمِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي تُرْتَكَبُ بِحَقِّ الْعُقُولِ وَالْأَنْفُسِ: التَّعَدِّيَ عَلَيْهَا بِالْمُسْكِرَاتِ وَالْمُفَتِّرَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ، الَّتِي تُفْقِدُ المُدْمِنَ عَقْلَهُ، فَيَخْرُجُ الْمُدْمِنُ مِنْ إِنْسَانِيَّتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا، إِلَى الْبَهِيمِيَّةِ بَلْ إِلَى شَرٍّ مِنْهَا، وَمَنْ تَأَمَّلَ عَوَاقِبَ الْإِدْمَانِ، وَمَا يَصِيرُ أَرْبَابُهُ إِلَيْهِ مِنَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ؛ نَأَى بِنَفْسِهِ عَنْ هَذِهِ الْمُهْلِكَاتِ، وَحَفِظَ دِينَهُ وَعَقْلَهُ عَمَّا تُسَبِّبُهُ مِنْ آفَاتٍ.

إِنَّ عَوَاقِبَ الْإِدْمَانِ خَطِيرَةٌ؛ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْخَرَابِ وَالدَّمَارِ، وَمَجْلَبَةٌ لِسُخْطِ الْجَبَّارِ، وَسَبِيلٌ مُظْلِمٌ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، فَهُوَ إِنْ لَمْ يُتْلِفِ النَّفْسَ؛ أَلْحَقَ بِهَا الْأَمْرَاضَ وَالْأَوْجَاعَ وَالْبَأْسَ؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ‌إِنَّ ‌اللَّهَ ‌كَانَ ‌بِكُمْ ‌رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29-30]  ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَمَنْ تَحَسَّى سُمّاً فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُـمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

عِبَادَ اللهِ:

ومِنْ عَوَاقِبِ الْإِدْمَانِ: ذَهَابُ الْحَيَاءِ وَالْغَيْرَةِ وَضَعْفُ الْإِيمَانِ؛ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه: «اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ... فَإِنَّهَا وَاللهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» [أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ]، وَإِذَا غَابَ الْإِيمَانُ اسْتَحْوَذَ الشَّيْطَانُ، وَأَغْرَقَ الْـمُدْمِنَ فِي أَوْحَالِ الذُّنُوبِ وَالْعِصْيَانِ؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ مَلِكاً مِنْ مُلُوكِ بَنِـي إِسْرَائِيلَ أَخَذَ رَجُلًا فَخَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْساً، أَوْ يَزْنِيَ، أَوْ يَأْكُلَ لـَحْمَ خِنْـزِيرٍ، أَوْ يَقْتُلُوهُ إِنْ أَبَى، فَاخْتَارَ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَأَنَّهُ لَمَّا شَرِبَهَا لَـمْ يَمْتَنِعْ مِنْ شَيْءٍ أَرَادُوهُ مِنْهُ»[أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ].

أَيُّهَا النَّاسُ:

كَمْ مِنْ جَرَائِمَ ارْتُكِبَتْ، وَفَوَاحِشَ وَآثَامٍ اقْتُرِفَتْ، وَنُفُوسٍ أُتْلِفَتْ، تَحْتَ تَأْثِيرِ الْخَمْرِ وَالْمُخَدِّرَاتِ!!، وَكَمْ أَعْرْاضٍ انْتُهِكَتْ، وَأَمْوَالٍ سُرِقَتْ، وَحَوَادِثِ سَيْرٍ وَقَعَتْ، حِينَ غُيِّبَتِ الْعُقُولُ وَالْإِرَادَاتُ!!، وَكَمْ مِنْ أُسَرٍ شُتِّتَتْ، وَأَوْلَادٍ يُتِّمَتْ، وَنِسَاءٍ رُمِّلَتْ، وَأَرْحَامٍ قُطِّعَتْ، ومُجتَمَعَاتٍ صُدِّعَتْ، مِنْ جَرَّاءِ إِدْمَانِ هَذِهِ الْآفَاتِ!!.

أَلَا وَإِنَّ مِنْ عَوَاقِبِ الْإدْمانِ الْمُتَكَاثِرَةِ: ذَلِكُمُ الْعَذْابَ الْمُهِينَ فِي الْآخِرَةِ؛ فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْـمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِيَنةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمُّ].

فَاتَّقُوا اللهَ -مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ- وَاجْتَنِبُوا هَذَا الْفِعْلَ الْمُهِينَ، وَحَذِّرُوا مِنْهُ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ، وَكُونُوا لَهُمْ مُرَاقِبِينَ مُتَـيَقِّظِينَ، وَلِلْمُبْتَلَيْنَ بِالْإِدْمَانِ خَيْرَ مُعِينٍ، لِانْتِشَالِهِمْ مِنْ مُسْتَنْقَعَاتِ هَذَا السُّمِّ الزُّعَافِ، وَدَفْعِهِمْ نَحْوَ الْخَيْرِ وَالْهِدَايَةِ وَالِائْتِلَافِ؛ ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: 91] .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ خَيْرُ الْغَافِرِينَ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالنَّجْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ الطُّرُقَ لِإِنْقَاذِ الْمُدْمِنِينَ كَثِيرَةٌ، وَالْوَسَائِلَ عَدِيدَةٌ؛ وَذَلِكَ بِسُؤَالِ الْمُخْتَصِّينَ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَالْآرَاءِ السَّدِيدَةِ.

وَإِنَّ أَجْدَى هَذِهِ الْوَسَائِلِ: تَقْوِيَةُ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ لَدَى الْـمُتَعَاطِينَ، وَسَمَاعُ كَلَامِ النَّاصِحِينَ، هَذَا الْوَازِعُ الَّذِي أَرَاقَ الْخَمْرَ حَتَّى جَرَتْ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ، بِمُجَرَّدِ أَنْ طَرَقَ السَّمْعَ نَبَأُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهَا: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ، وَمَا شَرَابُهُمْ إِلَّا الْفَضِيخُ: الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي، فَقَالَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ. فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

ومِنَ الْوَسَائِلِ الْـمُهِمَّةِ: تَنْحِيَةُ الْـمُدْمِنِ عَنِ الْـمُسْتَنْقَعَاتِ الْمَوْبُوءَةِ، وَالْبِيئَةِ الْمَشْبُوهَةِ، وَالصُّحْبَةِ السَّيِّئَةِ، وَإِرْشَادُهُ إِلَى صُحْبَةِ الْخَيِّرِينَ، مِنَ الَّذِينَ يُعِينُونَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالدِّينِ، هَذَا مَعَ اتِّخَاذِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ لِـمُعَالَجَةِ الْـمُدْمِنينَ، وَمَلْءِ أَوْقَاتِهِمْ بِالنَّافِعِ الْـمُفِيدِ، فَمَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ؛ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].

عِبَادَ اللهِ:

وَإِنَّا لَنَشْكُرُ الْأَجْهِزَةَ الْمُخْتَصَّةَ، وَمَنَافِذَ الْحُدُودِ عَلَى يَقَظَتِهِمْ وَعَيْنِهِمُ السَّاهِرَةِ وَجُهُودِهِمُ الْمَبْذُولَةِ لِمُحَارَبَةِ هَذِهِ الْآفَةِ الْفَتَّاكَةِ الَّتِي تُدَمِّرُ الْأَفْرَادَ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، وَتُبَدِّدُ الْأَمْوَالَ وَالثَّرَوَاتِ، وَنَشُدُّ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَنَدْعُوهُمْ إِلَى الْمَزِيدِ مِنَ الرَّقَابَةِ وَالتَّشْدِيدِ؛ لِحِمَايَةِ الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ مِنْ فَسَادِ الْمُفْسِدِينَ وَتَلَاعُبِ الْمُغْرِضِينَ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ بِالنَّاسِ إِلَّا الشَّرَّ وَالْخَرَابَ وَالدَّمَارَ.

   اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الْأَطْهَارِ وَصَحْبِهِ الْأَبْرَارِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاها، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَها إِلَّا أَنْتَ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، وَانْصُرْ عِبَادَكَ الْمُوَحِّدِينَ، وَاصْرِفْ عَنَّا كُلَّ شَرٍّ وَسُوءٍ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْفَظْ أَمِيرَ الْبِلَادِ وَوَلِـيَّ عَهْدِهِ، وَوَفِّقْهُمَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَصْلِحْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ وَالرَّعِيَّةَ، وَاهْدِهِمَا لِلْحَقِّ وَالصَّوَابِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني